المادة    
حقيقة أنا أرى أن أبدأ مع الإخوة في بيان من أنكر هذه البدع -وهي شعائر النواح واللطم أو ما يقال له: التطبير- من علماء الشيعة أنفسهم -أما إنكارها عند أهل السنة والجماعة فمعلوم- وكيف أنكروها بإيجاز, ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما يؤيد ذلك من علم الأنتربولوجيا، ومقارنة ذلك بما كان يفعله البدائيون من قبل؛ لنرى مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر من أمر وشأن الجاهلية.
  1. الشيخ محسن الأمين

    هناك مؤلف عاش في القرن الرابع عشر الهجري -القرن الماضي- مؤلف شيعي مشهور جداً وهو إمام عندهم, وهو الشيخ محسن الأمين , وهو رجل مشهور ومعروف, وألف كتاباً ضخماً جداً سماه أعيان الشيعة . الشيخ محسن في أعيان الشيعة تعرض لمسألة الرد على من قال: إن العادات التي يفعلها الشيعة في المآتم وفي عاشوراء من الشعائر.. فقال: إن هذه العادات هي تقليد لما كان في أمر الجاهلية.
    الشيخ محسن في هذا الكتاب رد على هذا القول وأنكره وقال -بالنص-: وأما ضرب الصدور بالأكف والسلاسل فمن فعل الجهال. وقال: ولا يزيد عما يفعله مشايخ الطرق من ضرب الشيش ونقر الدفوف والتمايل يميناً وشمالاً وفق نغمات محددة. (الجزء الأول صفحة 74).
    جعلها من فعل الجهال، وأنكر أن تكون من الشعائر, ثم جعلها مثل ما يفعله علماء أو أئمة أو مشايخ الطرق الصوفية من التمايل والنغمات؛ طبعاً ما يفعله الصوفية ليس من باب الحزن، وإنما من باب النشوة والطرب والفرح، وأولئك ضدهم.
    الكلمة المجملة التي نقولها في هذا الشأن: أن السنة النبوية -وهذا ديننا دين الإسلام- جاءت وسطاً؛ فقد شرع الله تبارك وتعالى الأمر وسطاً؛ فنحن مشروع لنا أن نصوم يوم عاشوراء، فهو ليس بعيد لأننا نصومه, فالذين يحتفلون به ويجعلونه عيداً يأكلون ويلهون ويمرحون فيه بينما نحن صائمون, وهو ليس مأتماً؛ لأننا عندما نتعبد الله تبارك وتعالى بالصيام فإننا لا نشارك في هذه المآتم؛ فالسنة الحق وسط بين ما تفعله الأمم السابقة هكذا وهكذا.
    وقد ورد حديث في المسند (أن السفينة استقرت على جبل الجودي في يوم عاشوراء), ومن هنا نفهم أن هذا اليوم لدى الشعوب القديمة له ذكرى، وله تأثير لديهم, فهو أيضا يوم فرح.
    وقد ثبت في الصحيحين أنه (اليوم الذي أنجى الله تبارك وتعالى فيه موسى من فرعون وقومه)؛ فزاد اليهود وأضافوا إلى التعبد الفرح والطرب واللهو وما أشبه ذلك، وبعض المسلمين اتبعوهم في هذا, أما الأمم السابقة من البابليين والفينيقيين والمصريين في أيام تسلط الفراعنة وما أشبههم, فإنهم جعلوا ذلك للنواح وللعويل وللصراخ ولطم الوجوه ولطم الصدور وما أشبه ذلك، فكانت هذه مقابلة البدعة بالبدعة، وكل ذلك ليس من الإسلام في شيء.
    نرجع إلى كلام الشيخ العاملي، فهو عندما قال هذه الكلام نلاحظ بعد فترة أن موقفه قد تغير, ومن يقرأ سيرته -وهي في مجلدين حياته الشخصية- يجد أنه فعلاً شعر بأنه لا بد أن يحسم هذا الموقف يوماً من الأيام, وأن يتراجع عما قاله في كتابه أعيان الشيعة .
  2. الشيخ محمد حسين فضل الله

    لو بدأنا بالتلميذ الذي أثار هذا الموضوع، وهو الشيخ محمد حسين فضل الله .
    محمد حسين فضل الله في الندوة التي أصدرت في حواراته ودروسه الأسبوعية, وطبعت في مجلد كبير, في صفحة أربعمائة وتسعة وخمسين حين سُئل: ما هي المصلحة في إثارة مسألة التطبير من قبلكم -والتطبير كما قلنا: هو ما يفعل من ضرب ولطم، وخدوش وجراحات قد تؤدي إلى الموت- ومن قبل آية الله العظمى السيد الخميني؟
    فيقول في الجواب: في الواقع أننا لسنا أول من أثار المسألة, فالسيد محسن الأمين أثارها بطريقة علمية، وكانت الغوغاء قد أثارت الموضوع ضده, ولم يردوا عليه بشكل علمي, والسيد أبو الحسن الأصفهاني وقف مع السيد محسن الأمين ، والسيد مهدي القزويني في البصرة والسيد البروجردي في أحاديثه الخاصة والسيد الخميني كذلك؛ فلسنا أول الناس في ذلك.
    يعني: هو بين أن هؤلاء جميعاً ضد هذا التطبير, ويقول: إنه حتى السيد الخوئي كان يفتي بحرمتها في كتابه المسائل الشرعية التي نشرتها الجماعة الإسلامية في أمريكا و كندا , وذكر أنهم لما سألوه قال: إذا أوجب سخرية الناس الآخرين فلا يجوز, وطبعاً تكلم هو وغيره في هذا أن الشعوب الغربية وغيرها, وكل أهل فطرة وذوق سليم يأنفون من هذا العمل, وإذا رأوه أنفوا منه فبالتالي فإنه يؤيد أن يسخر الناس من المذهب وينفرون عنه؛ فيقول يجب مراعاة ذلك ولا نواجه هذه المشاعر. وحقيقة أن ما قاله المؤلف هنا صحيح.